مركز المعطيات و الدراسات الاستراتيجية

فرنسا تتحول إلى أحد أخطر التهديدات لحرية الكلام في العالم

جوناثان تورلي

2019-07-16



فرنسا تتحول إلى أحد أخطر التهديدات لحرية الكلام في العالم

بقلم: جوناثان تورلي

The Hill

6 تموز 2019

ترجمة: مركز المعطيات والدراسات الاستراتيجية

 

منذ ما يقارب العام تقريباً زار الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون الولايات المتحدة من أجل توريد (نوعين) يحتمل أنهما منتشرين في واشنطن. أحدهما كان شجرة والثاني كان حملة على حرية التعبير. وللمفارقة، فبعد أن تمت زراعة الشجرة قام المسؤولون بإزالتها وعزلها (كما الحجر الصحي). وبكل الأحوال، فإن النوع الأخطر كان رؤيته حول مقيداتالتعبير، وهو مشروع نتج عنه تصفيق عظيم من سياسيينا الذين لم يكن لديهم أدنى فكرة عن ذلك.

وفي الوقت الذي قد يصفق فيه سياسيونا المتواجدون في الولايات المتحدة لماكرون كما يفعل الأغبياء القرويون نجد أن معظم الأمريكيين هم من المتشددين الذين يؤمنون بحرية التعبير. ذلك يجري في دمائنا. وبدون رادع يتجه ماكرون وآخرون في أوروبة إلى فرض قيود على الكلام بشكل أحادي على الإنترنت بطرح تشريعات جديدة في فرنسا وألمانيا. إن كنت تظن أن هذا الأمر شأن أوروبي فنطلب منك إعادة التفكير في هذا الأمر.

يسعى ماكرون وحكومته إلى استبعاد الأفكار المليئة بالكراهية عن شبكة الانترنت. وقد اتجه البرلمان الفرنسي نحو إصدار قانون جديد سيعطي الشركات العاملة على شبكة الإنترنت أمثال غوغل والفيس بوك مهلة 24 ساعة لإزالة الكلام الذي يحمل الكراهية من مواقعها وإلا فإنهم سوف يواجهون غرامات انتهاكات تبلغ 1.4 مليون دولار. ويتوقع أن يحصل التصويت الأخير الأسبوع القادم. وقد مررت ألمانيا إجراءاً مماثلاً العام الفائت وفرضت غرامات بلغت 56 مليون دولار.

تخلى الفرنسيون والألمان عن محاولة إقناع الولايات المتحدة بالتنازل عن حمايتها لحرية التعبير. وأدركوا أن ليس عليهم ذلك لأنه بفرض عقوبات معطلة سوف تضطر الشركات الكبرى لممارسة الرقابة على التعبير تحب معايير غير محددة بقوة. والنتيجة يمكن أن تكون تقليصاً لأكبر اختراع يعزز حرية التعبير في تاريخ العالم. كل ذلك يحدث دون تذمر أو معارضة من الكونغرس أو من منظمات الحريات المدنية.

الخطوة التي اتخذها الأوروبيون ضربت نقطة خفية في دستور الولايات المتحدة. التعديل الأول يؤدي مهمة ممتازة تتمثل بمنع أي عمل حكومي ضد حرية التعبير، كما أن معظم القوانين التي تقلص حرية التعبير في أوروبة تعتبر غير دستورية في الولايات المتحدة. لكن بالرغم من كونها محمية ضد الأخ الأكبر، نبقى معرّضين للأخ الأصغر بشكل كامل؛ أي الجهة المكونة من شركات خاصة لها توجهات واسعة بخصوص تقليص وتقييد التعبير في أنحاء العالم.

يعرف الأوروبيون أنه لا يرجح أن تقوم هذه الشركات بالإزالة الجراحية للمحتوى المتعلق بدول بعينها. وسيكون التأثير مماثلاً لـ "استثناءكاليفورنيا".كل الولايات عرضة للمعايير الموحدة بخصوص انبعاثات المركبات بموجب قانون الهواء النظيف، إلا أن كاليفورنيا أعطيت استثناءاً لإحداث معايير أكثر صرامة. وبدلاً من تصنيع سيارات خاصة بكاليفورنيا كان هناك معايير أكثر صرامة وتشدداً تميل لسوق تصاميم السيارات. وحينما يتعلق الأمر بمقيدات التعبير يعلم الأوروبيون أن بإمكانهم الحد من التعبير وليس فقط في بلدانهم وإنما يستطيعون بشكل عملي الحد من التعبير في الولايات المتحدة وأنحاء أخرى من العالم.

في الواقع، فإن الأوروبيين يقومون بالبناء على نجاحاتهم الماضية. فبالعودة إلى عام 2013 نجد أن مجموعة من الطلاب اليهود استخدمت القوانين الفرنسية لمقاضاة تويتر لإجبارها على كشف هويات المعلقين المجهولين لتعليقات كانت معادية للسامية. ولحسن الحظ، فقد قاتلت تويتر من أجل حماية (عدم الكشف عن الهوية) إلا أن المحاكم الأوروبية حكمت لغير صالح الشركة التي رضخت في النهاية. وهكذا فإن مسألة عدم الكشف عن هوية المستخدمين تتراجعكما تتراجع حرية التعبير في هذه الدول.

يعلم ماكرون أن من المحتمل أن تتنشر مقيدات التعبير الأوروبية عبر الشابكة. فقد ضيعوا بالفعل حرية التعبير في أوروبة. وهذه القوانين تجرّم التعبير بموجب معايير غير واضحة تشير إلى الاقتباس أو ترويع الآخرين بالاستناد إلى العرق أو الدين. فعلى سبيل المثال، تم اعتبار مصمم الأزياء جون غاليانو مذنباً حسب محكمة فرنسية بتهم نشر تعليقات معادية للسامية ضد مجموعة من الأشخاص في حانة فرنسية. وفي جلسة محاكمته قرأت القاضية آن ماري سوتيرود عليه قائمة بالكلمات السيئة التي استخدمها غاليانو بحق جيرالدينبلوتش وفيليب فيرجيتي. وأوضحت القاضية أنه قال (عاهرة قذرة) على الأقل ألف مرة.

وفي قضية أخرى تم تغريم والد المرشحة الرئاسية المحافظة في فرنسا ماريان لوبان لأنه كان يطلق على الأشخاص التابعين لأقلية الروما (كريهو الرائحة). وتمت ملاحقة أم فرنسية لأن ابنها ذهب إلى مدرسة وهو يرتدي قميصاً مكتوب عليه (أنا القنبلة). وقد تم اعتقال رجل ألماني لأنه وضع على هاتفه المحمول نغمة بصوت أدولف هتلر. ووضعت سياسية ألمانية محافظة قيد التحقيق الجنائي بسبب تغريدة اتهمت فيها الشرطة باسترضاء عصابة بربرية تقوم باغتصاب جماعات من الرجال المسلمين، كما أنه تم وضع وزير العدل الألماني هايكو ماس تحت الرقابة بموجب قوانينه هو لأنه أطلق على أحد المؤلفين صفة (معتوه) على تويتر.

وكانت نتيجة مثل هذه القوانين غير المحددة بشكل كافٍ قابلة للتوقع. فوفقاً لاستطلاع أجري مؤخراً وُجد أن 18% من الألمانيين يشعرون بأنهم يستطيعون التحدث بحرية في العلن، في حين أن نسبة 31% ممن شملهم الاستطلاع قالوا إنهم لا يشعرون بحرية التعبير عن أنفسهم حتى في جلساتهم الخاصة مع أصدقائهم. وكانت نسبة 17% فقط تشعر بأنها تستطيع التعبير عن نفسها بحرية على شبكة الإنترنت، و35% قالت إن حرية التعبير تقتصر على الدوائر الخاصة الضيقة. في الحقيقة هذا ما يسمى "التأثير الصادم" وهو ما يمكن أن يُخشى منه.

وهناك أيضاً دعوات متجددة في الأمم المتحدة من أجل أن يكون (خطاب الكراهية) نوعاً من الجريمة الدولية. تريد الدول الإسلامية إدراج (الألفاظ الدالة على الكفر)، وإسرائيل تريد تجريم من يتلفظ بألفاظ تدل على معاداة السامية. وحتى في بلدنا صرّح سياسيون من أمثال هاوارد دين وعدة أكاديميين آخرين بأن خطاب الكراهية ليس محمياً في التعديل الأول، أما الممثلة فريدريكا ويسلون فقد دعت إلى مقاضاة الأشخاص الذين سخروا من أعضاء في الكونغرس. وقد وجد استطلاع أخير أن نصف طلاب الجامعات في الولايات المتحدة لا يعتقدون بأنه يجب حماية خطاب الكراهية.

المفارقة المحزنة حول الجهود الريادية الفرنسية في كبح حرية التعبير هي أنها قوية بالفعل. فرنسا التي كانت معقل الحرية أصبحت الآن أحد أكبر التهديدات الدولية العظيمة للتعبير الحر. وحتى أنها قادت حملة على حرية الصحافة بإجراء العديد من التحقيقات الجنائية. وقد راقبنا لسنوات عديدة ببساطة من مكاننا على الأطلسي ورفضنا هذه النزعات باعتبارها مسألة أوروبية. أما مع القوانين الجديدة فقط أصبحت مسألة عالمية. وهكذا سنرى نتيجة هذه الجهود على وشك اجتياح شبكة الإنترنت العالمية.




عودة